فصل: سئل‏:‏ هل من يلحن في الفاتحة تصح صلاته أم لا‏؟‏

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ابن تيمية **


/ وَسئلَ ـ أيضًا ـ رَحمَه الله ـ عن ‏[‏بسم الله الرحمن الرحيم‏]‏ هل هي آية من أول كل سورة أفتونا مأجورين‏؟‏

فأجاب‏:‏

الحمد الله، اتفق المسلمون على أنها من القرآن في قوله‏:‏ ‏{‏إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ‏}‏ ‏[‏النمل‏:‏ 30‏]‏، وتنازعوا فيها في أوائل السور حيث كتبت على ثلاثة أقوال‏:‏

أحدها‏:‏ أنها ليست من القرآن، وإنما كتبت تبركا بها، وهذا مذهب مالك، وطائفة من الحنفية، ويحكي هذا رواية عن أحمد ولا يصح عنه، وإن كان قولًا في مذهبه‏.‏

والثاني‏:‏ أنها من كل سورة، إما آية، وإما بعض آية، وهذا مذهب الشافعي ـ رضي الله عنه‏.‏

والثالث‏:‏ أنها من القرآن حيث كتبت آية من كتاب الله من أول كل سورة، وليست من السورة‏.‏ وهذا مذهب ابن المبارك، وأحمد/ بن حنبل ـ رضي الله عنه ـ وغيرهما‏.‏ وذكر الرازي أنه مقتضي مذهب أبي حنيفة عنده‏.‏ وهذا أعدل الأقوال‏.‏

فإن كتابتها في المصحف بقلم القرآن، تدل على أنها من القرآن وكتابتها مفردة مفصولة عما قبلها وما بعدها تدل على أنها ليست من السورة، ويدل على ذلك ما رواه أهل السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏إن سورة من القرآن ثلاثين آية، شفعت لرجل، حتى غفر له‏.‏ وهي ‏{‏تّبّارّكّ بَّذٌي بٌيّدٌهٌ بًمٍلًكٍ‏}‏‏)‏ وهذا لا ينافي ذلك، فإن في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم أغفي إغفاءة فقال‏:‏ ‏(‏لقد نزلت على آنفًا سورة‏.‏ وقرأ ‏{‏بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏.‏ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ‏}‏‏)‏؛ لأن ذلك لم يذكر فيه أنها من السورة، بل فيه أنها تقرأ في أول السورة، وهذا سنة، فإنها تقرأ في أول كل سورة، وإن لم تكن من السورة‏.‏

ومثله حديث ابن عباس‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعرف فصل الصورة حتى تنزل ‏{‏بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏}‏ رواه أبو داود، ففيه أنها نزلت للفصل، وليس فيه أنها آية منها، و‏{‏تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ‏}‏ ثلاثون آية بدون البسملة‏.‏ ولأن العادين لآيات القرآن لم يعد أحد منهم البسملة من السورة، لكن هؤلاء تنازعوا في الفاتحة‏:‏ هل هي آية منها دون غيرها‏؟‏ على قولين، هما روايتان عن أحمد‏:‏

/أحدهما‏:‏ أنها من الفاتحة دون غيرها، وهذا مذهب طائفة من أهل الحديث، أظنه قول أبي عبيد، واحتج هؤلاء بالآثار التي رويت في أن البسملة من الفاتحة‏.‏ وعلي قول هؤلاء، تجب قراءتها في الصلاة، وهؤلاء يوجبون قراءتها وإن لم يجهروا بها‏.‏

والثاني‏:‏ أنها ليست من الفاتحة، كما أنها ليست من غيرها، وهذا أظهر فإنه قد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏يقول الله تعالي‏:‏ قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، نصفها لي، ونصفها له، ولعبدي ما سأل، يقول العبد‏:‏ ‏{‏الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ‏}‏، يقول الله‏:‏ حمدني عبدي‏.‏ يقول العبد‏:‏ ‏{‏الرَّحْمـنِ الرَّحِيمِ‏}‏، يقول الله‏:‏ أثني علي عبدي‏.‏ يقول العبد‏:‏ ‏{‏مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ‏}‏، يقول الله‏:‏ مجدني عبدي‏.‏ يقول العبد‏:‏ ‏{‏إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ‏}‏، يقول الله‏:‏ فهذه الآية بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل، يقول العبد‏:‏ ‏{‏\اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ‏}‏، إلى آخرها‏.‏ يقول الله‏:‏ فهؤلاء لعبدي، ولعبدي ما سأل‏)‏‏.‏ فلو كانت من الفاتحة، لذكرها كما ذكر غيرها‏.‏

وقد روي ذكرها في حديث موضوع، رواه عبد الله بن زياد بن سَمْعَان، فذكره مثل الثَّعْلَبي في تفسيره، ومثل من جمع أحاديث الجهر، وأنها كلها ضعيفة، أو موضوعة‏.‏ ولو كانت منها، لما كان للرب/ ثلاث آيات ونصف، وللعبد ثلاث ونصف‏.‏ وظاهر الحديث أن القسمة وقعت على الآيات، فإنه قال‏:‏ ‏(‏فهؤلاء لعبدي‏)‏‏.‏ وهؤلاء إشارة إلى جمع، فَعُلِم أن من قوله‏:‏ ‏{‏\اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ‏}‏ إلى آخرها، ثلاث آيات على قول من لا يعد البسملة آية منها، ومن عدها آية منها، جعل هذا آيتين‏.‏

وأيضًا، فإن الفاتحة سورة من سور القرآن، والبسملة مكتوبة في أولها، فلا فرق بينها وبين غيرها من السور في مثل ذلك، وهذا من أظهر وجوه الاعتبار‏.‏

وأيضًا، فلو كانت منها، لتليت في الصلاة جهرًا، كما تتلى سائر آيات السورة، وهذا مذهب من يرى الجهر بها كالشافعي وطائفة من المكيين والبصريين، فإنهم قالوا‏:‏ إنها آية من الفاتحة يجهر بها‏:‏ كسائر آيات الفاتحة، واعتمد على آثار منقولة بعضها عن الصحابة، وبعضها عن النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ فأما المأثور عن الصحابة، كابن الزبير ونحوه، ففيه صحيح، وفيه ضعيف‏.‏ وأما المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم، فهو ضعيف، أو موضوع، كما ذكر ذلك حفاظ الحديث كالدارقطني، وغيره‏.‏

ولهذا لم يرو أهل السنن والمسانيد المعروفة عن النبي/ صلى الله عليه وسلم في الجهر بها حديثًا واحدًا‏.‏ وإنما يروي أمثال هـذه الأحاديث من لا يميز من أهل التفسير‏:‏ كالثعلبي ونحوه، وكبعض مـن صنف في هـذا الباب مـن أهـل الحـديث، كما يذكره طائفة من الفقهاء في كتب الفقـه، وقـد حكى القـول بالجهـر عن أحمد وغيره بناء على إحدى الروايتين عنه من أنها مـن الفاتحـة، فيجهـر بها كما يجهر بسائر الفاتحة، وليس هذا مذهبه، بل يخافت بها عنده‏.‏

وإن قال هي من الفاتحة لكن يجهر بها عنده لمصلحة راجحة، مثل أن يكون المصلون لا يقرؤونها بحال، فيجهر بها ليعلمهم أن قراءتها سنة، كما جهر ابن عباس بالفاتحة على الجنازة، وكما جهر عمر بن الخطاب بالاستفتاح، وكما نقل عن أبي هريرة أنه قرأ بها، ثم قرأ بأم الكتاب، وقال‏:‏ أنا أشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ رواه النسائي‏.‏ وهو أجود ما احتجوا به‏.‏

وكذلك فسر بعض أصحاب أحمد خلافه، أنه كان يجهر بها إذا كان المأمومون ينكرون على من لم يجهر بها، وأمثال ذلك‏.‏ فإن الجهر بها والمخافتة سنة، فلو جهر بها المخافت، صحت صلاته بلا ريب‏.‏ وجمهور العلماء ـ كأبي حنيفة ومالك وأحمد والأوزاعي ـ لا يرون الجهر، لكن منهم من يقرؤها سرًا، كأبي حنيفة وأحمد وغيرهما، ومنهم من لا يقرؤها سرًا ولا جهرًا، كمالك‏.‏

/وحجة الجمهور ما ثبت في الصحيح من أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم، وفي لفظ لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة، ولا آخرها واللّّه أعلم‏.‏

 وسئل‏:‏ هل من يلحن في الفاتحة تصح صلاته أم لا‏؟‏

فأجاب‏:‏

أما اللحن في الفاتحة الذي لا يحيل المعني، فتصح صلاة صاحبه، إمامًا أو منفردًا، مثل

أن يقول‏:‏‏{‏رَبِّ الْعَالَمِينَ‏}‏ و ‏{‏الضَّالِّينَ‏}‏ ونحو ذلك‏.‏

وأما ما قرئ به مثل‏:‏ الحمد الله ربَّ، وربِّ، وربُّ‏.‏ ومثل الحمد الله، والحمد الله، بضم اللام، أو بكسر الدال‏.‏ ومثل عليهِمُ، وعليهم، وعليهُمُ، وأمثـال ذلك، فهذا لا يعد لحنًا‏.‏

وأما اللحن الذي يحيل المعني‏:‏ إذا علم صاحبه معناه مثل أن يقول‏:‏ ‏{‏صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ‏}‏، وهو يعلم أن هذا ضمير المتكلم، لا تصح صلاته‏.‏ وإن لم يعلم أنه يحيل المعني واعتقد أن هذا ضمير المخاطب، ففيه نزاع‏.‏ والله أعلم‏.‏